الرقص بين الحُرمة والإباحة
يعتبر الرّقص من الفنون العريقة التي لها تاريخ طويل، ويرتبط الرَّقص بالعديد من الثقافات والعادات والتقاليد التي ينفرد بها كلُّ بلدٍ عن الآخر، كما أنّ الرقص يصنّف على أنّه نشاط مفيد جسديّاً ونفسياً، وبما أن من خصائص الشريعة الإسلامية الشمول أي أنها تغطي كل جوانب حياة الإنسان وأفعاله والرقص من ضمنها ففيها بيان للحالات التي يحرم فيها الرقص والتي يُباح فيها، فحكم رقص المرأة يختلف عن حكم رقص الرجل كما يختلف باختلاف الأشخاص الحاضرين له، فرقص المرأة بحضور أشخاص أجانب عنها ممن لا يحلُّ لهم النظر لزينتها ومفاتنها يختلف حكمه عن حكم الرقص بوجود محارمها فقط كزوجها أو ذويها من النساء أو غير ذلك ممن يُباح لهم النظر لمفاتنها، وفي هذه المقالة سيتم عرض حكم الرقص بشتّى أحواله.
معنى الرقص
- الرّقص في اللغة: مصدر رَقَصَ، يرقُص، رَقْصًا، فهو راقِص: أي اهتزّ وتمايل وحرّك جسمه، ويكون ذلك إمّا على أنغام موسيقى أو غناء.
- الرّقص في الاصطلاح: الرقص في المعنى الاصطلاحي يُقارب معناه اللغوي، فهو عبارة عن أداء حركي وحركات ضمن خطوات وطرق محددة يستعمل فيها الراقص أجزاء معيّنة من جسده لغرضٍ مُعيّن.
حكم الرقص
إنّ الرَّقص من المسائل التي تحدَّث عنها الفقهاء، أما حكمه فإنّه تنطبق عليه القاعدة الفقهية الأصل في الأشياء الإباحة، حيث لم يرد نصٌ شرعي واضحٌ يقضي بتحريم الرَّقص صراحةً، لذلك يبقى على الأصل الذي هو الإباحة، أمّا إذا احتوى الرَّقص على أمورٍ مُحرمةٍ أو منهي عنها فإنه يكون مُحرماً بناءً على تلك الأمور المرتبطة به، وبناءً على ذلك أطلق الفقهاء لمسألة وحكم الرَّقص عدة أحكام، ومن ذلك ما يلي:
- الرَّقص المُحرَّم بالاتفاق: فقدِ اتَّفق الفُقهاءُ على أنَّ الرَّقص يكون مُحرَّماً إذا رافقته أمور مُحرَّمة شرعاً، كأن يكون الرَّقص بكشف عورةٍ لا يجوز الاطّلاع عليها أمام المرقوص أمامه، أو يكون في أثنائه اختِلاطٌ مع غير المحارم، فقد قال الله تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ*وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ...)، وقد يُصاحب الرّقص شرب الخَمر، أو يُرافقه الغناء المُحرَّم المنهي عن سماعه، لما في هذا الغناء من تحريك لمشاعر النفس، وقد يحتوي على كلمات الغزل ووصف النّساء ومفاتنهنّ، ويستثنى من الغناء ما كان مباحاً، كأن يكون للنساء في الأعراس والأعياد لإظهار الفرح، بشرط أن يكون ذلك على الدُّف بغير خلخال، وألّا يحتوي على كلمات فاحشة، دلَّ على ذلك ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، حيث قالت: (دخل عليَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وعِندِي جاريتانِ، تُغَنِّيانِ بِغِناءِ بُعاثَ: فاضطجع على الفِراشِ وحوَّل وجهَه، ودخل أبو بكرٍ فانْتَهَرَنِي، وقال: مِزْمارةُ الشيطانِ عِند النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فأقبل عليه رسولُ اللهِ عليه السلامُ فقال: دعْهُما. فلمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فخرَجَتا. وكان يومَ عيدٍ، يلعبُ السُّودانُ بالدَّرَقِ والحِرابِ، فإمَّا سألتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وإمَّا قال: تشتهينَ تنظُرينَ. فقلتُ: نَعَمْ، فأقامَني وَرَاءَهُ، خَدِّي علَى خَدِّهِ، وهو يقولُ: دونَكم يا بَنِي أَرْفِدَةَ. حتَّى إذا مَلِلْتُ، قال: حَسْبُكِ. قلتُ: نَعَمْ).
- الاختلاف في حكم الرَّقص بين الإباحة والكراهة: فقد اختلف العلماء في حكم الرَّقص إذا لم يُصاحبه فعل مُحرَّم أو أمر منهيٌ عنه كما سبق بيانه، فقد رجَّح علماء الشَّافعيَّة أنَّ الرَّقص لا يكون مُحرَّماً ولا يُكره أبداً، إنّما يكون حكمه الإباحة على ما تمَّ تقديمه؛ وقد استدلّ الشافعية على ما ذهبوا إليه بما روت السيدة عائشة -رضي الله عنها- قالت: (جاء حَبَشٌ يزْفِنونَ في يومِ عيدٍ في المسجدِ، فدعاني النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فوضَعْتُ رأسي على منكبِه فجعلتُ أنظرُ إلى لعبِهم حتى كنتُ أنا التي أنصرفُ عن النظرِ إليهم). وقد قيَّد فقهاء الشَّافعيَّة أصل حكم الرَّقص الذي هو الإباحة بألا يكُون فيه تكسُّر وتمايُلٌ كأفعال المخنَّثين، وأن تؤمن الفتنة وتُستر العورات ولا تُثار الشهوات، ولا يكون فيه اختلاط، ولا تشبّه للرجال بالنساء، ولا للنساء بالرجال، فإن احتوى الرّقص على شيءٍ من ذلك يكون مُحرَّماً على الرِّجال والنِّساء على حدٍ سواء، يقول الإمام النَّوويُّ: (والرقْص ليس بِحرام، قال الحليمي: لكن الرَّقْص الذي فيه تثنٍّ وتكسُّر يشبه أفعال المخنَّثين حرامٌ على الرِّجال والنِّساء). وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيَّة والمالكيَّة والحنابلةُ إلى أنَّ الرَّقص في حكمه الأصلي يكون مكروهاً؛ وقد علَّل جمهور الفقهاء ما ذهبوا إليه بأنَّ في فعْلِه دناءةٌ وقلة عقلٍ وسفه، وأنَّ الرَّقص يُعتبر من مُسقِطات المروءة، كما أنَّه يُعتبر من أنواع اللَّهو التي جاء الأمر بالنهي عنها، وإلى ذلك ذهب الشيخ ابن عثيمين -رحِمه الله- وغيره من الفقهاء، فقد قال ابن عثيمين في أحد اللقاءات التي جرت معه: (الرقْص مكروهٌ في الأصل، ولكن إذا كان ذلك على الطَّريقة الغربيَّة، أو كان تقليدًا للكافِرات صار حرامًا؛ لقوْلِ النَّبيِّ -صلَّى الله عليْهِ وسلَّم- : (من تشبَّهَ بقومٍ فَهوَ مِنهم)، مع أنَّه أحيانًا تَحصُل به الفتنة؛ فقد تكونُ الرَّاقصة امرأةً رشيقةً جَميلة شابَّة فتفتن النِّساء، فحتَّى إن كان في وسطِ النِّساء، حصل من النِّساء أفعالٌ تدلُّ على أنَّهنَّ افتتنَّ بها، وما كان سببًا للفتنة، فإنَّه يُنهى عنه).
- "معنى الرقص"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 21-10-2017. بتصرّف.
- رضا البطاوي البطاوي (16-2-2012)، "حكم الاسلام في الرقص"، www.ahl-alquran.com، اطّلع عليه بتاريخ 21-10-2017. بتصرّف.
- خالد عبد المنعم الرفاعي (18--2-2013)، "حكم الرقص - في الأعراس"، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-10-2017. بتصرّف.
- "حكم رقص الرجال في الأعراس"، www.fatwa.islamweb.net، 15-10-2002، اطّلع عليه بتاريخ 21-10-2017.بتصرف.
- سورة النور، آية: 30-31.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 949، صحيح.
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، الصفحة أو الرقم: 892، صحيح.
- رواه ابن حبان، في بلوغ المرام، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 437، صحيح.